الاستعمار الصيني ومحو الجرّاية من الخريطة
على مساحة تمتد على آلاف الكيلومترات ( مئات الآلاف الهكتارات) على حدود الأحواز والعراق كانت بحيرة مياهٍ عذبة واسعةٍ في مصب نهر الكرخة وانهر اخرى تسمى “هور العظيم” . تنمو في الهور انوع خاصة من النباتات المائية مثل القصب والبردي و يعيش فيها انواع خاصة من الاسماك ايضاً كالحِمْري، القطّان، البِنّي و…و حيوانات اخرى وكذلك الطيور الحرة المهاجرة و غير المهاجرة .كانت تتواجد على اطراف هذه البحيرة وحتى في داخلها عشرات القرى العربية الصغيرة والكبيرة ، منسجمين مع الطبيعة و يعتاشون على صيد الطيور والاسماك ويزرعون على سواحل البحيرة. و كان سكان تلك القرى يربّون الجاموس الذي يحب الماء و يتغذى من الاعشاب التي تنمو في مثل هكذا بيئة. كما كانوا يبنون بيوتهم من الطين ونباتات الهور ويستخدمون القارب( المشحوف) للتنقل. هكذا كانوا منسجمين مع طبيعة الهور لا يضرونه بشيء. استمرت هذه الحالة منذ حوالي خمسة آلاف سنة كما تظهر النقوش والآثار العيلامية والسومرية وخاصة الميسانية من البيوت و طرق الصيد بالفالة وتشابه الملابس والاوشام. كما كانت هذه المنطقة النائية ملاذا آمنا للعشائر والقبائل العربية التي تهرب من بطش وظلم و اضطهاد الدول والحكام على طول التاريخ.
عندما بدأت الحرب الايرانية – العراقية تغير كل شئ و اضطر سكان تلك المنطقة للنزوح الى ضواحي المدن ومنها مدينة الأحواز العاصمة ليستقروا بذلك في عشوائيات للسكن اطراف المدن ليس فيها ابسط معايير العيش الكريم او الخدمات.
بعد انتهاء الحرب منعت سلطات الاحتلال الايرانية رجوع سكان عشرات القرى للهور بذريعة الامن ثم تعاقدت مع شركة النفط الحكومية الصينية لتجفيف الهور واستخراج النفط والغاز، مدمرة بذلك كل شئ يمت بالحياة من التراب والمياة والنباتات. فالمستعمر الصيني لايفهم معنى الانسان والطبيعة بل كل ما يهمه هو كسب المال.
كلما نتذكر كلمة الاستعمار يتبادر في اذهاننا الاستعمار دول اوروبا الغربية للقارات الاخرى حيث بدأ منذ مطلع القرن السادس عشر وانتهى ظاهريا في القرن العشرين بعد خمسة قرون او استبدل في نوع آخر من الاستعمار الحديث .
ولكن تركيزي هنا عن استعمار جديد قادم من الشرق ليس في جعبته مفاهيم جميلة ولا يتشدق بعنوانين مثل حقوق الانسا و، حقوق المراة اوالمساواة او الديمقراطية اوالاهتمام بالطبيعة او التنوع الثقافي والبيئي وما شابه ذلك. نعم انها الصين وروسيا حيث ارتكبا المجازر في حق شعوبهم في القرن العشرين و قتلوا عشرات الملايين منهم فهل يرحمون غيرهم.
نعم مازالت كثير من الشعوب وخاصة في الشرق الاوسط تعاني من آثار استعمار الدول الغربية ولكن التوجه الى الشرق هو بمعنى الهروب من السيئ الى الأسوء . فهل ترغب او تتمكن اخي القاري من اللجوء الى الصين او روسيا والنشاط ولو بشكل محدود من اجل شعبك هناك.
في ما يلي صورة من طبيعة القرى في هور العظيم قبل التدمير من قبل المستعمر الصيني ومقطعٍ لفلمٍ من ارشيف تلفزيون العراق حول قرية الجرّاية يذكر فيها العشائر التي كانت تسكن تلك القرية في الأحواز وموقعها التقريبي على الخريطة.
غازي مزهر